في خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات
الاقتصادية بين مصر وإسرائيل، أعلنت شركة NewMed الإسرائيلية عن توقيع اتفاق ضخم لتوريد الغاز الطبيعي إلى مصر بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار، وذلك من حقل “ليفيثان” في شرق البحر المتوسط. يُعد هذا الاتفاق أكبر عقد تصدير في تاريخ إسرائيل، وأحد أضخم الصفقات في مجال الطاقة في المنطقة خلال العقود الأخيرة.
تفاصيل الصفقة
الاتفاق يقضي بتوريد ما يقارب 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى مصر حتى عام 2040. وستبدأ الشحنات الفعلية في عام 2026 بمعدل أولي يبلغ نحو 20 مليار متر مكعب سنويًا، على أن ترتفع الكمية تدريجيًا لتصل إلى 110 مليارات متر مكعب بعد الانتهاء من توسعات حقل ليفيثان وبناء خط أنابيب جديد عبر منطقة “نيتسنا”.
ويُتوقع أن يساهم هذا الاتفاق في دعم احتياجات السوق المصري من الغاز الطبيعي، سواء للاستهلاك المحلي أو لأغراض التصدير، إذ تمتلك مصر بنية تحتية متطورة لمصانع تسييل الغاز في إدكو ودمياط، مما يمنحها ميزة تنافسية في سوق الطاقة العالمي.
خلفية عن حقل “ليفيثان”
يُعد حقل ليفيثان، الذي تم اكتشافه عام 2010، من أكبر حقول الغاز في شرق المتوسط، حيث تُقدر احتياطياته المؤكدة بنحو 22 تريليون قدم مكعب من الغاز. تديره شركة شيفرون الأمريكية بالشراكة مع NewMed Energy وشركة Ratio الإسرائيلية. ويُشكل الحقل ركيزة أساسية في استراتيجية إسرائيل للتحول إلى مُصدر إقليمي للطاقة.
مقارنة بالاتفاقيات السابقة
ليست هذه المرة الأولى التي توقع فيها مصر اتفاقًا لاستيراد الغاز من إسرائيل، ففي عام 2019 تم إبرام اتفاق بقيمة 15 مليار دولار لتوريد 60 مليار متر مكعب على مدار 10 سنوات. لكن الصفقة الجديدة تتجاوز بكثير حجم الاتفاق السابق من حيث الكمية والقيمة والمدة الزمنية، ما يعكس زيادة الاعتماد المتبادل بين الجانبين في مجال الطاقة.
الأبعاد الاقتصادية
من الناحية الاقتصادية، يمكن النظر إلى هذه الصفقة على أنها تعزز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة في شرق المتوسط. فمع امتلاكها لمصانع تسييل الغاز، تستطيع مصر إعادة تصدير جزء من الغاز المستورد إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية بأسعار تنافسية، خاصة في ظل ارتفاع الطلب العالمي على الغاز بعد الأزمات الجيوسياسية الأخيرة.
كما يُتوقع أن يسهم الاتفاق في:
دعم الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة في مصر.
تخفيف الضغوط على الميزان التجاري من خلال زيادة الصادرات.
توفير مصدر مستقر للغاز على المدى الطويل، مما يضمن استقرار إمدادات الطاقة.
الأبعاد السياسية
الصفقة ليست مجرد اتفاق اقتصادي، بل تحمل أبعادًا سياسية وإستراتيجية مهمة. فالتعاون في مجال الطاقة بين مصر وإسرائيل يعكس تقاربًا متزايدًا في المصالح المشتركة، خاصة في ظل عضويتهما في منتدى غاز شرق المتوسط الذي يضم أيضًا قبرص واليونان وإيطاليا والأردن وفلسطين والاتحاد الأوروبي كمراقب.
هذا التعاون قد يُترجم إلى مزيد من الاستقرار في المنطقة، لكنه في الوقت نفسه قد يثير جدلاً داخليًا في مصر نظرًا لحساسية العلاقات مع إسرائيل لدى الرأي العام.
ردود الفعل المتوقعة
من المرجح أن تحظى الصفقة بترحيب واسع في الأوساط الاقتصادية والاستثمارية نظرًا لما تحمله من فرص للنمو وتعزيز البنية التحتية للطاقة. لكن على الجانب الآخر، قد تواجه انتقادات من بعض التيارات السياسية أو الشعبية التي ترى في التعاون مع إسرائيل قضية جدلية.
مستقبل سوق الطاقة في مصر
مع هذه الصفقة، تدخل مصر مرحلة جديدة من استراتيجيتها لتصبح مركزًا عالميًا للطاقة. فالقدرة على استيراد الغاز من مصادر متعددة، وإعادة تصديره بعد تسييله، تمنحها مرونة عالية في تلبية الطلب العالمي المتغير.
كما أن وجود احتياطيات الغاز المصرية في حقول مثل “ظهر” و“شمال الإسكندرية” إلى جانب الواردات من إسرائيل وقبرص، يجعل من مصر لاعبًا رئيسيًا في أمن الطاقة الإقليمي.
الخلاصة
توقيع مصر صفقة غاز تاريخية بقيمة 35 مليار دولار مع إسرائيل يمثل محطة فاصلة في مسار التعاون الاقتصادي بين البلدين، ويعزز من دور مصر كمحور إقليمي للطاقة. ورغم الجدل المحتمل حول الأبعاد السياسية، إلا أن المكاسب الاقتصادية والبنية التحتية القوية قد تجعل من هذه الصفقة خطوة استراتي
جية نحو تعزيز مكانة مصر في سوق الطاقة العالمي.
